مدونة اجتماعيات

مدونة اجتماعيات بقلم حوراء ظنيط

مدونة اجتماعيات

مدونة اجتماعيات بقلم حوراء ظنيط

اجتماعيات

بقلم حوراء ظنيط

Pages

Thursday, 15 August 2013

نسب مخيفة عن شاربي الكحول

أن تسمع بشاربي الكحول في لبنان الّذين هم في أعمار ما فوق الثّمانية عشرة، فهذا غدا ربما أمراً مألوفاً في بيئة متنوّعة، ولكن أن تسمع بمراهقين تقلّ أعمارهم عن الخامسة عشرة، ويتعاطون شرب الكحول، فهذا أمر مستغرب وغير مألوف، ويفتح الباب واسعاً أمام التّساؤلات حول أسبابه ونتائجه، في ظلّ غياب أيّ رادع أو رقابة من المجتمع عموماً.
وتشير بعض الأرقام إلى حجم المسألة وخطورتها، حيث بيّنت ارتفاع نسبة شاربي الكحول للفئة العمريّة بين 13 و15 عاماً لحوالى 40%، كما أنّ بين كلّ سبعة يافعين يوجد اثنان منهم يشربون المشروبات الكحوليّة، وهذه الأرقام أوضحها المسح العالميّ للصحّة المدرسيّة ومنظّمة الصحّة الدّوليّة بالتعاون مع هيئات محليّة عن الطلاب في المرحلة الدراسيّة السّابعة والثّامنة. كما تشير إحصاءات لجمعيات اجتماعية محلية، إلى أنّ أكثر من 700 شخص يقضون سنوياً في حوادث سيارات في لبنان، وأنّ 33% منها تسبّبها القيادة في حالة سكرٍ لمراهقين.
إنّ القضيّة باتت ـ ونتيجة لما تقدّم ـ تعتبر من قضايا الصحّة العامّة الّتي من الواجب أن تأخذ الاهتمام المدني والرّسميّ الفاعل والقويّ، ومعالجة هذه الظّاهرة بكثير من الوعي والدقّة، نظراً إلى مردودها السلبيّ الفادح على المراهقين واليافعين والمجتمع عموماً، والإضاءة الكافية على أسباب هذه الظّاهرة ومعالجتها بنشر التّوعية اللازمة في وسائل الإعلام، وما أكثرها! وفي المؤسّسات التربويّة والجامعيّة والاجتماعيّة المختلفة، والتّنبيه إلى مضارّها وخطورتها، وعدم إهمالها والتّعامل معها وكأنّها أمر عاديّ لا يُحاسب عليه ويمرّ مرور الكرام، كما أنّ الأهل مطالبون بمراقبة أولادهم ورعايتهم بشكل يضمن سلامتهم الصحيّة والاجتماعيّة.
وبحسب بعض الباحثين، فإنّ الوضع في لبنان على مستوى استهلاك اليافعين للكحول، غير آمن أبداً، وفيه الكثير من الخطورة على سلامة المراهقين، وهم يرون أنّ مشكلة شرب الكحول صعبة لأنها غير مكشوفة للعلن، وأنّه من السّهل الوصول إليها، كما أنّ الوقاية منها ضعيفة جدّاً،كذلك مراقبة استهلاكها.
أمام هذا المشهد المؤلم، أين هي القوانين والتّشريعات الّتي ينبغي أن تتعامل مع هذه الظّاهرة، وأن تضبطها وتتحكّم بمسارها؟!
وهل يكفي اليوم أن نعدِّد فقط الأرقام والنّسَب دون التّعاطي والتحرّك العمليّ والفاعل إزاءها؟ سؤال يبقى برسم الجميع...

شبكات التواصل الاجتماعي سبباً للطلاق المحاكم الشرعية تغرق في دعاوى الـ«فايسبوك»

تصادم بين الثقافة السائدة ونتائج ثورة الاتصالات (ألفريدو مارتينيرا ــ مكسيكو)
تشهد المحاكم الشرعية ارتفاعاً في معدلات طلب الطلاق. اللافت أن الكثير من الدعاوى تتخذ مبرراتها لدى الزوج أو الزوجة من الاستغراق في استخدام الهاتف والواتس آب والفايسبوك. هذه المبررات تربك المحاكم التي تفضّل أن تبقى حارسة للثقافة السائدة، ولكنها تضطر إلى التعامل مع تأثيرات كثيرة تفرضها ثورة الاتصالات
أسامة القادري
انتشار وسائل تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات لم يحطّم بعد الثقافة السائدة في المجتمع اللبناني. سيفعل ذلك يوماً ما. ولكن في الانتظار لا يزال ذاك الشاب الذي يحمل بين يديه أحدث هاتف خلوي ذكي أو «آي باد» ذكورياً، وكذلك تبقى تلك الفتاة محبّة للتملك. فذاك وتلك، كالكثيرين، يضيعان في زحمة التطور السريع، ويضيعان في مشكلات تهدد الحياة الأسرية.

Wednesday, 14 August 2013

تداعيات الثورات على المجتمعات العربية

                       تداعيات الثورات على المجتمعات العربية 
قيل الكثير عن اساب الثورات وعن حركات الاحتجاج التي حصلت في بعض البلدان العربية . وكتب البعض عن سيناريوهات المستقبل وعن ما اذا كانت ثورات ام لا.وهل هي من تدبير الخارج أم من  تراكم السخط الشعبي الذي انفجر في لحظة معينة.. وذهب محللون الى محاولة تفسير المتغيرات الجيواستراتيجية لهذه الثورات وتأثيرها على موازين القوى الاقليمية ومواقف هذه القوى نفسها من الثورات…لكن ما سنحاول مقاربته في هذا البحث هو تداعيات الثورة على المجتمعات العربية .وهي تداعيات لا تزال في بداياتها. لكن مع ذلك يمكن  نلاحظ مجموعة من التغيرات في أكثر من بلد عربي سواء ما تعلق منها  بالجرأة التي باتت تسم الحراك الشبابي عموما”الى استخدام وسائل الاتصال الحديثة والمواقع الالكترونية في التعامل مع أي موقف سياسي . الى الدور القوي لوسائل الاعلام في متابعة الثورات،وما تعرضت له بعض القنوات الفضائية من شكوك في صدقيتها بسبب انحيازها الى هذه الثورة وعدم اهتمامها الموازي بغيرها. الى تنامي المشاعر الدينية والمذهبية،وصعود السلفية، والمخاوف على الاقليات ومنها.. وتعدد الاحزاب والجمعيات بعد الثورات..وكذلك النقاش حول علاقة المسلمين واحزابهم بالديمقراطية ومواقفهم منها ومن الحريات…الى التوتر العلماني-الاسلامي بسبب أي قضية يشتم منها تقييد الحريات الاعلامية او الفنية من جانب الاسلاميين..مثل مشروع فرض الرقابة على الافلام السينمائية القديمة التي احتوت مشاهد غير مقبولة دينيا”…الى التغير في مواقف واتجاهات المؤسسات الدينية مثل الأزهر من قضايا مهمة وحساسة مثل الديمقراطية وتداول السلطة والدولة المدنية. وهي أمور لم تكن مطروحة في السابق على هذه المؤسسات التي  لم تكن تفعل سوى الوقوف خلف السلطة وتأييد الحاكم.الى المخاوف التي نجمت عن الثورات من التصدع الذي اصاب المجتمعات العربية ومعه المخاوف من التشتت ومن التقسيم والكونفدرالية..
وعلى الرغم من ذلك كله يمكن ان نشير الى ثلاثة مشاهد اساسية قد تختصر الكثير من التحولات التي حصلت في المجتمعات العربية بعد الثورات.
1-   “المشهد الحزبي”
كان الحزب الواحد الحاكم “الوطني” او “الدستوري” أو “الشعبي” …هو المشهد المشترك طوال عقود في الدول العربية التي حصلت فيها الثورات، من تونس الى مصر وصولا” الى ليبيا…كان الرئيس هو رئيس الحزب وكانت عائلته والمقربون هم لجنته المركزية أو المكتب السياسي الذي يخطط للبلاد والعباد.. لم يكن بالمقابل ثمة احزاب معارضة.كانت المعارضة في المنفى او في السجون.وعندما كانت هذه المعارضة تفكر في ابداء الرأي من خلال المشاركة في عملية انتخابية ..كانت تعمد الى التحايل على النظام من خلال الالتحاق بقوائم احزاب أخرى “مشروعة ” كما كان حال الاخوان المسلمين في مصر.أو يلجأ المعارضون الى جمعيات حقوق الانسان لتبيان حجم الاضطهاد والمظلومية وخنق الحريات التي يعيشها شعبهم كما كان الحال في تونس.أو يغتنم هؤلاء فرصة وجودهم القسري في الخارج لكي يطلقوا العنان للمواقف والتصريحات السياسية التي تنال من الحكم القائم ومن استبداده…(1) . لم تكن القوى السياسية المعارضة على اختلاف اتجاهاتها الاسلامية وغير الاسلامية تتوقع سقوط الرؤساء في ليبيا او في تونس او في مصر.لقد حصل ما لم يكن متوقعا”.
- ترافق الأمر،داخليا” وخارجيا”  مع اعلان الانتقال الى مرحلة جديدة من “الديمقراطية” التي ستتيح التعدد وانتقال السلطة من عهد الى آخر.وقد اعتبر الكثيرون ان هذه المرحلة قد بدأت فعليا” وما عليهم سوى التكيف معها.وبما أن الديمقراطية هي في احد أوجهها التشكل الحزبي والتنافس الحزبي. وبما ان القوى والشخصيات السياسية عاشت طويلا” في ظل الحزب الحاكم الوحيد الأوحد..ولم تتمكن من التعبير عن رأيها ولا عن وجودها السياسي ..فقد “انفجرت” ظاهرة الاحزاب في مجتمعات ما بعد الثورات،وما لبثت هذه الاحزاب ان عرفت بعد فترة وشيكة انشقاقات عنها أدت الى ولادة احزاب جديدة بتسميات مختلفة… كما انفجرت الانتماءات الأولية ايضا” العشائرية والقبلية والطائفية في الوقت نفسه…(2)وهذا ما حصل في العراق على سبيل المثال بعد سقوط النظام. فقد تشكلت مئات الاحزاب والجمعيات السياسية والاجتماعية بعد فترة وجيزة من التغيير الذي حصل في البلاد. ولكن من المعلوم ان هذه الكثرة لا تعني بالضرورة التساوي في الفاعلية ،أو في الاستمرار والبقاء..هكذا سوف نلاحظ في تونس وفي مصر تعددية حزبية واسعة بعد اقل من عام على الثورات فيها.ففي مصر حصل “حزب الوسط” بعد الثورة مباشرة على الترخيص الرسمي الذي كان يسعى اليه طوال سنوات من حكم الرئيس مبارك.ثم كرت سبحة الاحزاب باتجاهاتها السياسية  المختلفة وبتسمياتها التي تعكس انتماءاتها الجديدة السلفية والديمقراطية والنهضة والعدالة والحرية والريادة وغيرها..ولتعكس الواقع الجديد للتحولات التي حصلت في المجتمع المصري  بعد الثورة خصوصا” وأن جزءا” من هذه الاحزاب لم يكن سوى انشقاقات متتالية عن التنظيم الأم،كما حصل مع الاحزاب ذات الأصل الأخواني.فحزب الوسط هو انشقاق قديم عن الاخوان المسلمين،وحزب الحرية والعدالة،وهو حزب الاخوان السياسي. وحزب النهضة ،هو ايضا” انشقاق عن الاخوان،ثم حزب التيار المصري الذي أسسه شباب الاخوان  وحزب الريادة وهو منشق عن حزب النهضة..الى الاحزاب السلفية التي لم يفكر دعاتها يوما” في مثل هذا الانتقال الى هذا النوع من النشاط السياسي المباشر والمنظم.ويعتبر خالد سعيد المتحدث الرسمى باسم الجبهة السلفية، بأن السلفيين لو أرادوا تأسيس 20 حزبًا فلن يجدوا صعوبة فى ذلك، لأن لديهم شعبية ضخمة فى الشارع أكثر من غيرهم من القوى السياسية الأخرى.(3)
ومن بين الأحزاب السلفية فى مصر حزب النور، وحزب الفضيلة ،وحزب الاصالة، وحزب مصر البناء،وحزب الاصلاح والنهضة،وحزب النهضة..
التنظيمات الجهادية السابقة التي قامت قبل سنوات بمراجعات لتجربتها الجهادية بعد اغتيال السادات وبقائها في السجن سنوات طويلة ذهبت بدورها الى خيار الاحزاب “الحديثة”،بما ينسجم مع تلك المراجعات التي دعت فيها الى نبذ العنف والى الخيار السلمي والعلني للعمل السياسي في مصر.ومن احزاب هذه الجماعات :حزب البناء والتنمية وحزب الضياء،وحزب السلامة والتنمية،وحزب الاتحاد من اجل الحرية..وحتى الصوفيون ايضا” بات لهم احزابهم مثل حزب التحرير المصري،وحزب صوت الحرية،وحزب شباب طيبة .
ومن احزاب الاتجاه القومي الاسلامي :حزب العمل المصري ، وحزب التوحيد العربي…
ومن الملاحظ ان الاتجاه الى التعدد والى الاستقلال الحزبي،كان الاتجاه الأقوى لدى هذه الاحزاب التي لم تتمكن من تشكيل قوة موحدة على الرغم من خلفيتها العقائدية الواحدة الاسلامية او القومية أو اليسارية .ويمكن ان نفسر ذلك من جهة بهذه الحالة من الغليان “الثوري” الذي يرد ان يطيح بكل ما هو قديم ،والذي لا يقبل التربريرات غير المنطقية،أو الذي يردي ان يكون له صوته الخاص والمستقل. وهذا ينطبق بشكل أوضح على الانشقاقات الجديدة التي حصلت في الاحزاب بعد الثورات .
الظاهرة نفسها تكررت في تونس التي بلغت الاحزاب التي تم الترخيص لها بعد الثورة أكثر من مئة حزب من الاتجاهات السياسية كافة الاسلامية وغير الاسلامية.منها على سبيل المثال:حركة الإصلاح والعدالة الاجتماعية،حركة البعث بتونس،حركة الجمهورية الثانية،حركة شباب تونس الأحرار،حركة الشعب، حركة النهضة،حركة الوحدة الشعبية،حركة الوحدويين الأحرار،الحركة الوحدوية الديمقراطية،الحركة الوطنية للعدالة والتنمية،الحرية من أجل العدالة والتنمية،الحرية والتنمية،حزب الأحرار التونسي،الحزب الاشتراكي اليساري،حزب تونس الخضراء،حزب الشباب الديمقراطي،حزب العدالة والمساواة حزب العدل والتنمية التونسي،حزب العمال الشيوعي التونسي،حزب العمل الوطني الديمقراطي،حزب الكرامة والمساواة،حزب المبادرة،حزب الوطن،حزب الوسط الاجتماعي،حزب الوفاق،المؤتمر من أجل الجمهورية،الاتحاد الشعبي الجمهوري،آفاق تونس حزب العمل التونسي،الاتحاد الوطني الحر،حركة الوطنيون الديمقراطيون ،حزب المجد…حتى ان السلطات التونسية منحت ترخيصا” قانونيا” لتأسيس أول حزب سلفي يحمل اسم “حزب جبهة الاصلاح” ليرتفع بذلك عدد الاجزاب في تونس الى اكثر من 118 حزبا”.ويدعو هذا الحزب الذي يعرف نفسه بانه حزب سياسي اساسه الاسلام ومرجعه في الاصلاح القرآن والسنة بفهم سلف الأمة” الى لإقامة دولة اسلامية تحكم وفقا” للشريعة”..(4)
ذا التعدد الحزبي المفرط لم يمنع في الوقت نفسه حالات الانشقاق التي طاولت حتى حزب الرئيس التونسي نفسه منصف المرزوقي “المؤتمر من اجل الجمهورية” الذي تعرض للانقسام بعد اتهام المنشقين مرزوقي “بالتخلي عن مبادئ الحزب”…(5)  
يعكس هذا التعدد الحزبي الواسع وغير المنطقي نسبيا” قياسا” الى الفترة الزمنية القصيرة التي تأسست فيها هذه الاحزاب، تلك الحاجة العميقة الى الحرية والى ابداء الرأي والى التعبير السياسي..لكن هذا التعدد من جهة ثانية لا يعني بالضرورة ان التجربة السياسية ستكون أكثر غنى وتنوعا”. لأن حجم هذه الاحزاب يتفاوت بين بضع مئات وبين مئات الالاف.ومن غير المؤكد ان يستمر الكثير منها على قيد الحياة .كما ان الخبرة السياسية لا تزال في بدايتها لمعظم هذه الاحزاب بغض النظر عن احجامها. ما يعني احتمال التخبط واطلاق المواقف التي قد تزيد من الاحتقان والتوتر الداخلي في هذ المرحلة الانتقالية اكثر مما تساعد على توضيح مسالك الطريق المتعرجة والمعقدة(6)..ويشكل البيان الذي وقعه مجموعة من المثقفين المصريين نموذجا” للقلق المصري من الفوضى السياسية والآمنية،ومن تشتت الاهداف ومن المأزق الذي تعيشه البلاد ،ومن المخاوف على الثورة نفسها.عندما اعتبر ان”مصر اليوم في مأزق حقيقي.. بين تعثر ثورة الكرامة والعدالة والحرية، والسهم الأخير لثورة الاستبداد والفساد المضادة. إننا أمام موقف خطير لا تخطئه عين؛ أخطر ما فيه هو الاستخفاف الشديد بالشعب المصري العظيم: بآماله، وحقوقه، ومصالحه الحيوية…”وقد شدد البيان على “تنامي الفجوة بين القوى والتيارات السياسية المنتمية للثورة، وتآكل مساحات العمل المشترك التي مكنتها سابقا من إزاحة رأس النظام قبل سنة، فيما تجمع فلول النظام البائد كلمتها وطاقاتها لإيقاع الشعب وقواه في دوامة كبرى…” ولذلك يدعو البيان” كل القوى السياسية المنتمية لثورة 25 يناير لإعادة ترتيب أولوياتها، والعودة للاصطفاف صفا واحدا على هدف أساسي؛ هو تحرير إرادة الإنسان المصري والدولة المصرية، واحترام حق المصري في الاختيار وتمكينه منه، وهو جوهر ما سعت الثورة إليه…” ونظرا” لحالة التشتت الحزبي التي تؤثر سلبا” على اهداف الثورة يدعو موقعو البيان “الأطراف السياسية والقوى والمجتمعية المصرية كافة إلى “تأسيس آلية دائمة للحوار والتفاوض والتصالح بين القوى السياسية والحزبية والتنظيمات الشبابية المنتمية للثورة، ترصد الخلافات وتجمع الطاقات، وتواجه التحالف المكشوف بين الدولة العميقة المستمرة وفريق العسكر الحارس لها…” (7)

2 “مشهد اللايقين”:
الظاهرة الثانية التي باتت محل قلق شعبي ورسمي وحزبي في المجتمعات العربية بعد الثورات هي ظاهرة الأمن.لقد استطاع النظام السابق على الرغم من الاستبداد وقمع الحريات،توفير هذا الأمن.وربما بسبب القبضة الامنية المتشددة على مختلف جوانب حياة الناس في مصر او في تونس اوفي ليبيا استطاع النظام هنا وهناك أن يحتكر العنف وان يمنع كل مظاهر تقاسم هذا العنف،مع أي من المجموعات او القوى السياسية المختلفة.لكن اليوم وبعد الثورات لم يعد هذا النظام المستبد موجودا”. وقد فقد تلك السطوة القمعية التي كانت له. لكن بالمقابل لم تتشكل سلطة جديدة  تستعيد الأمن المفقود او تحتكر لوحدها العنف الذي ينظم حياة الناس ويمنع الاعتداء عليهم وعلى ممتلكاتهم وعلى حرياتهم الشخصية.ثمة قلق واسع في هذا المجال. وما يستحق التأمل ان هذا القلق لا يقتصر على البلدان التي تشهد اضطرابات واحتجاجات كما هو الحال في سوريا او البحرين على سبيل المثال. بل هو قلق مشترك بين المجتمعات التي حصلت فيها الثورات واطاحت بالرؤساء وانتقلت من حيث المبدأ الى عهد سياسي جديد …
 لقد انقضت سنة وبضعة اشهر على الثورات وعلى تشكيل الحكومات الجديدة..لكن مظاهر الفوضى والفلتان الامني لا تزال تقلق الناس في مصر وفي  تونس وفي اليمن وفي ليبيا.وتختلف اسباب هذا القلق واشكاله بين تراجع هيبة الدولة وقواها الأمنية في اليمن،الى “الاشتباك”وتباين الاهداف والمسؤوليات  مع المجلس العسكري”في مصر(8)… الى فوضى السلاح والتلويح بالتقسيم والفيديرالية كما هو الحال في ليبيا على سبيل المثال، التي تفاقمت الشكوى فيها من هذه الفوضى وصولا” للدعوة  الى التظاهر والاحتجاج ضد الاقتتال بين المجموعات المسلحة التي ترفض التخلي عن سلاحها .الذين تتهمهم الحكومة ب”الخارجين على القانون”.وقد صدرت الكثير من التقارير التي تتحدث عن المخاوف من فوضى السلاح بسبب حساسيات قبلية تاريخية قديمة بين أبناء القبائل…تعود لخلافات الثأر أو الخلاف حول قطعة أرض، أو حول النفوذ والسيطرة بعد الثورة..
ولا تتوقف خطور انتشار السلاح على الأوضاع في ليبيا فقط، ولكنها امتدت أيضا إلى الدول المجاورة لليبيا، حيث نشطت عصابات تهريب السلاح عبر الحدود الصحراوية الممتدة لليبيا في الشرق مع مصر، والجنوب مع السودان، وتشاد، والنيجر، ومالي، والغرب مع الجزائر  . وتونس (9) خصوصا” وان برنامج الحكومة الليبية لدمج الثوار ، لم يحقق النجاح المرجو منه.. لأن عدد الثوار الذين انضموا إلى صفوف وزارتي الدفاع والداخلية لم يتجاوز الاثنى عشر ألفا من إجمالي 125 ألفا…(10)
هذا بالاضافة الى تفشي روح الانتقام من خارج اي ضوابط قانونية، بحق “انصار النظام السابق”كما أشارت الى ذلك صحيفة “نيويورك تايمز” التي كتبت تقريرا” عن التجاوزات التي يقوم بها مسلحون ليبيون ضد مؤيدي الزعيم الراحل معمر القذافي,والذي تضمن شهادات حية لضحايا التعذيب في سجون المسلحين.. وقد عنون الكاتب تقريره ب:”ليبيا الخاطف يصبح مخطوفا”…”(11).
ينقسم الرأي بشأن هذه الفوضى في مجتمعات ما بعد الثورة بين من يعتبر الأمر طبيعيا” بعد أي ثورة، التي لا بد وان تشهد مثل هذه الفوضى قبل ان تتمكن من السيطرة تماما” على مفاصل السلطة والقرار في الاجهزة الامنية المختلفة.وأن المسألة مسألة وقت ليس إلا.وبين من يذهب الى اعتبار التردي الأمني مثابة مؤشر على التهديد الذي تتعرض له الثورة من القوى المضادة.لكن ما يحصل بغض النظر عن مبرراته ليس امرا” طبيعيا”، لأن العجز عن توفير الأمن للناس واستمرارالفوضى بعد أكثر من سنة على الثورات،يعني ان الناس قد   تنفض عن القوى الجديدة التي جعلت نفسها بديلا” عن النظام السابق.وقد حصلت الكثير من الاحداث التي سفكت فيها الدماء من دون اي مبرر منطقي ليس فقط في ليبيا بل وحتى في مصر، التي تجاوزت المخاوف فيها على الممتلكات الشخصية العاصمة الى المناطق الأخرى المختلفة..واذا كان من الممكن ان يقبل الناس صعوبة الانتقال الى وضع اقتصادي جديد في فترة وجيزة،أو ان يقبلوا التأخير في التغيير الثقافي والاجتماعي،والاداري.. الا ان من الصعب اقناع الناس بتأخير حاجتهم الى الأمن والى الاستقرار.خصوصا” وان الآمال التي علقت على الثورات كانت كبيرة،بعدما وجهت الكثير من التهم الى “النظام السابق” بتدبير الاعتداءات والتفجيرات..ويشير استطلاع للرأي العام العربي قام به المركز العربي للأبحاث ودراسة دراسة السياسات عام 2011 الى ارتفاع مستوى هذا القلق  من فقدان الأمن ومن تراجع الاطمئنان بعد الثورات في معظم المجتمعات العربية.وقد اجاب على سبيل المثال 72 %من المصريين المستطلعين أن الوضع الأمني هو أسوأ مما كان عليه قبل الثورة .في حين اعتبر 12%فقط انه اصبح أفضل وقال 10% بأنه بقي مثل ما كان عليه (ص31و32 من التقرير).ومن اللافت في هذا الاستطلاع ان الثقة حتى في الحكومات الجديدة لم تكن بدورها مرتفعة على الرغم من انها حكومات  ما بعد الثورات . وقد عبّر 36% من المستطلعين المصريين عن ثقتهم بحكومتهم، وفي تونس 14% فقط،وفي اليمن 4%.(ص50 من التقرير).ويعتبر الكثيرون ان حكوماتهم الجديدة لا تعبر حتى في سياساتها الخارجية عن تطلعات المواطنين.ففي مصر يعتبر 11% فقط ان سياسة الحكومة الخارجية تعبر عن رأي المواطنين. وفي اليمن 5% ،وفي تونس 4%.(ص54 من التقرير) أما الرضا عن الوضع الاقتصادي فلم يتجاوز 2% في مصر وفي اليمن،و1% فقط في تونس (12).
ثمة ثقة لا تزال مفقودة بين الحكومات الجديدة  وبين المواطنين على المستويات الامنية والاقتصادية والسياسية. ويمكن ان نربط بين هذه العوامل الثلاثة التي يرفد واحدها الآخر في تشكل عدم الثقة وعدم اليقين.لا بل يمكن القول ان فقدان السلطة الأمنية وتراجع هيبة السلطة المركزية ،مع ملاحظة الفروقات بين بلد وآخر، ساهم بشكل كبير في اللجوء الى الانتماءات الأخرى القبلية والعائلية والعشائرية من اجل توفير هذه الحماية. وهكذا يمكن ان نفهم في ليبيا على سبيل المثال لماذا ترفض الكثير من المجموعات التي تنتمي الى قبائل ومناطق عدة تسليم السلاح الى المجلس الانتقالي او الى الحكومة الجديدة حتى بعد سقوط النظام وانتصار”الثورة”،لأن يقين السلاح الذي تحملة أكثر ثقة بالنسبة اليها من اللايقين السياسي الموعود .
-3 -“المشهد الاسلامي”
لم يعد المشهد العربي الاجتماعي وحتى الفكري والسياسي بعد الثورات كما كان قبله.وفي أقل من سنة واحدة بات النقاش مختلفا”.كانت الاسئلة التي شغلت الكثيرين طوال عقود تدور حول ثنائية الحداثة والاصالة على سبيل المثال. أو حول الاسلام والغرب.أو حول الدين والعلمانية،أو التقليد والتجديد…وكان “اليقين” السائد يتلخص في “سبات” المجتمعات العربية،التي شغلها حكامها بالبحث عن قوت يومها بحيث لم تعد هذه الشعوب معنية بأي تغييرأو أي مواجهة مع النظام أو تحد له.
-         لقد انتقل النقاش بعد الثورات مباشرة وبدون اي تمهيد الى قضايا اخرى محتلفة تماما”.من ذلك على سبيل المثال :كيف تمكن الجيل الشاب ومن خلال التويتر، والفايس بوك من التحريض على التمرد وعلى التظاهر الذي سيتدحرج نحو “الثورة”؟ أو مثل هل كان الاسلاميون هم من صنعوا الثورات؟ أوكيف تغيرت المواقف والفتاوى من عدم الخروج على الحاكم الى المشاركة في التظاهرات ،ثم الى المشاركة السياسية، الى تشكيل الاحزاب،والتنافس بين الاطراف الاسلامية المختلفة. ثم تقدم النقاش خطوات اضافية عندما بات الاسلاميون في الموقع التشريعية والتنفيذية. ولم تعد المشكلة مع نظريات الاسلاميين السابقة. بل مع قدراتهم الحالية على الحكم وعلى العلاقة مع الآخر غير الاسلامي وغير الديني …
لقد حظي “الاسلام الجهادي” بنصيب وافر من النقاش ومن النقد في مرحلتي الثمانينيات بعد اغتيال الرئيس السادات وفي التسعينيات بعد ذيوع صيت القاعدة ،ثم في الألفية الثالثة بعد عملية 11 سبتمبر 2001 .وفي موازاة صعود “الاسلام الجهادي”، كان على الأخوان المسلمين على سبيل المثال ان يبحثوا عن تحالفات مع احزاب أخرى “مشروعة” مثل حزب العمل في مصر ليتمكنوا من خوض الانتخابات التشريعية.وهذا اقصى ما كانت تسعى اليه تلك الحركة في ذلك الوقت.لكن المجتمعات في معظم البلدان العربية كانت وهي تعيش قلق الحكومات المستبدة وتشهد تدهورا” متناميا” في اوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية،تزداد ومن دون اي ضجيج عودة الى دينها،على مستوى الشعائر والسلوك،من الحجاب الى المناسبات الدينية المختلفة،استمر الدين ملاذا”،لكنه لم يتمكن لاسباب كثيرة لها علاقة بالتنظيمات الاسلامية من جهة وبالسلطات الديكتاتورية من جهة ثانية،ان يتحول الى سبيل لخلاص تلك الشعوب او لقيادتها نحو التغيير المنشود.    
لم تتح الثورات الكثير من الوقت لحصول التحولات بشكل هادئ ومتدرج.أي لكي ينتقل الاسلاميون من خلفية المشهد الاجتماعي  الى صدارة المشهد السياسي.لقد حصل التحول بشكل مفاجئ لم يتوقعه لا الاسلاميون ولا سواهم من القوى المحلية والدولية .
هكذا ستجد المجتمعات العربية نفسها بعد الثورات ،في حال من الأمل من جهة ومن الارتباك من جهة ثانية لأسباب عدة منها:
-         أنها حققت التغيير ،الذي كانت تعتقد باستحالته.فقد انقضى على الحكم نفسه بين ثلاثة عقود أو أربعة. ولم يكن في الأفق السياسي ما يوحي بمثل هذا التغيير
-         أن الدين كان الملجأ .وكان التدين وطقوسه مرجعية دينية لا شأن للآخرين بها خصوصا” من غير المتدينين .ولم يخطر في بال الاسلاميين من صوفيين أوسلفيين أنهم سيتحولون فجاة الى قضية اعلامية و سياسية محلية وعالمية. وستكون كل كلمة ينطقون بها وكل موقف يتخذونه تحت مجهر النقد أوالتشكيك والاتهام.وهذا يفسر سلسلة المواقف والتوضيحات التي اعقبتها حول قضايا سياسية أو دينية اطلقها قادة صوفيون أوسلفيون بعد انتصار الثورة خصوصا” في مصر.
-         ان الاسلاميين باتجاهاتهم كافة،ومعهم الاحزاب العقائدية الأخرى، وجدوا ان عليهم وبمثل تلك السرعة التي لا تحتمل التأجيل ان يقدموا رؤيتهم التفصيلية والعملية لطبيعة النظام المقبل في مصر اوفي تونس او في ليبيا…ولكن هذه الرؤية التفصيلية لم تكن غالبا”  متوفرة.وقد تبين ان اسقاط الرئيس لم يكن كافيا” للانتقال الى المرحلة الجديدة..وهذا يفسر الاضطراب في تحديد الاولويات بين انتخاب الرئيس على سبيل المثال،او صياغة الدستور في مصر وبين أولوية جمع السلاح في ليبيا ،وبين تشكيل حكومة وحدة وطنية،قبل استفحال مشاعر التقسيم القبلية والمناطقية …
-         ان غياب السلطة القمعية المفاجئ وغير المتوقع اطلق عنان المبادرات في كل اتجاه . وأصبح بإمكان أي كان ان يدعو الى التظاهر والى الاعتراض على دور المجلس العسكري، أو على ترشيح هذا الشخص او ذاك.أو على رفض جمع السلاح في ليبيا،او التظاهر ضد قرارات الحكومة الجديدة في تونس…وهذا أمر ايجابي ومهم خصوصا” بعد سنوات القمع والكبت،لأنه كسر حاجز الخوف وهيبة الديكتاتورية.وامتلك الناس الجرأة. وهذا من اهم التحولات المجتمعية بعد الثورة. لكن غياب التنظيم الواحد أو الجبهة الموحدة التي تقود البلاد بعد الثورة قد يؤثر سلبا” على تلك الجرأة وتلك المبادرات.لأن عدم  تحديد الأولويات المهمة التي ينبغي التصدي لها في مراحل ما بعد الثورة يزيد من مخاطر الفوضى التي قد تطيح بمنجزات الثورة نفسها.  
-         اعتقد الكثيرون،خصوصا” الغالبية الشعبية، ان اسقاط الرئيس سوف يؤدي مباشرة الى التغيير. والى حل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية ،وسوف يوقف البطالة ،والاعتقال التعسفي،وسوف يجعل البلاد في حال أفضل من الحال السابق.لقد ساهم في هذه التوقعات السرعة التي حصلت بها الثورة.والآمال التي علقها الناس عليها.لكن الواقع المعقد ،في كل جوانبه الاقتصادية التي يئن الناس منها،والاجتماعية ،والسياسية،لن يكون من المتاح ايجاد الحلول له بمثل تلك السهولة التي يتوقعها أو يتمناها الكثيرون. ولذا قد يثير الأمر الاحباط ،وعدم الثقة بالقوى الجديدة في السلطة بعد الثورة. 
-         الاسلاميون الذين اصبحوا باتجاهاتهم كافة ،في صدارة مشهد ما بعد الثورات الاجتماعي والسياسي والاعلامي أخذوا المجتمعات العربية الى اسئلة جديدة،لم تكن مطروحة عليهم هم انفسهم.اسئلة كانت مؤجلة أو على الأقل كانت نقاشات نظرية ، لم يشعر أحد بالحاجة الى اختبار صدقيتها على اراض الواقع.كانت اولويات الناس والاسلاميين مختلفة.كان الناس يبحثون عن استرداد هوينهم وكرامتهم ولقمة عيشهم وحرياتهم.(13)وكان الاسلاميون طوال تلك السنوات بين الحظر والنفي والاعتقال.لذا لم يكن ليسألهم احد عن طبيعة الدولة التي سيشكلونها عندما يصلون الى الحكم؟ هل ستكون دولة دينية ام مدنية ،أم دولة الخلافة ،وهل التغيير المطلوب سيكون تغييرا” جذريا” ام متدرجا”؟،والى اي نموذج اسلامي معاصر سيتستند الاسلاميون في تجربتهم؟؟…كان الأمر ليكون ضربا” من الخيال،أو من الترف لو طرحت مثل هذه الاسئلة في الماضي القريب. لقد اختلف الاسلاميون في مقارباتهم الفقهية والعملية للتعامل مع مجتمعاتهم ومع النظم القائمة في بلدانهم. بين من كانت اولويته الدعوة والتربية الدينية،ومن كان يريد المشاركة والاصلاح، وبين من اختار العنف وسيلة للتغيير.لكنهم رغم ذلك كان الاسلاميون في خلفية المشهد الاجتماعي او السياسي.حتى الاتجاه العنفي الذي كان يتصدر الاهتمام الاعلامي العالمي كان حالة معزولة ،ولم يكن له اي امتداد شعبي ،أو حتى سياسي في مجتمعه.
ما تغير بعد الثورات في المجتمعات العربية هو هذا الحضور الطاغي والمهيمن للاسلاميين باتجاهاتهم كافة.الذين اختصروا اسئلة ما بعد الثورات على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأمنية بأنفسهم وبحضورهم الطاغي والمفاجئ. ومسوغ هذه الاسئلة هو “النموذج”  المفترض لما بعد الثورات.وهو النموذج الذي لم يتبين خيطه الابيض من الاسود لا في أثناء الثورات ولا قبلها. المتظاهرون كانوا يريدون “اسقاط النظام” ولم يكونوا قد اتفقوا على النظام او على النموذج البديل.
هكذا تحول السؤال حول مستقبل مصر ومستقبل تونس واليمن وليبيا وحتى سوريا الى ما سيفعله الاسلاميون. أي رؤيتهم للدولة ،ولهويتها ولدينها ولعلاقاتها مع جوارها ومع العالم. وستفتح هذه الاسئلة النقاش الواسع في داخل البلدان العربية والاسلامية وفي خارجها في الدول الغربية عن ادوار الاسلاميين وعن قدراتهم في صناعة هذا المستقبل..وستشهد المجتمعات العربية حراكا”اجتماعيا” سيطغى عليه بعد الثورات الانقسام بين الاسلاميين وغير الاسلاميين . ولن تكون رؤية الحركة الاسلامية أوفقهها لمستقبل الدولة بعد الثورات يعنيها أو يعني انصارها ومؤيديها وحدهم. بات النقاش حول هذه القضية عاما”،وهاجسا” اقليميا” ودوليا”. هذا الأمر سيجعل الاسلاميين في المرحلة المقبلة أكثر ثقة بأنفسهم،و سيدفع الكثيرين منهم الى الدعوة الى اسلمة القوانين،والى تطبيق الشريعة…لكن سنلاحظ على مستوى آخر ان الاسلاميين (الاخوان و حتى السلفيين..) سيكونون لاحقا” اكثر تكيفا” مع متطلبات المرحلة الجديدة وأكثر انفتاحا”.ولذا سيتغير خطاب هؤلاء قبل الثورة عن خطابهم بعدها.ولم تعد السياحة على سبيل المثال رجس من عمل الشيطان.ولم تعد الشرعية تقتصر على “شرعية الأمة”،بل باتت “شرعية الصناديق”. ومن “فكرة الأمة والخلافة” في ادبيات الأخوان الى “فكرة الدولة”…ويمكن القول ان المؤشرات كافة تؤكد ان الاسلاميين سيكونون بمرور الوقت ومع مواجهة المشكلات المختلفة، اكثر  تكيفا” وأقل جمودا” حتى على المستويات الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي سياساتهم الخارجية.(14)
-          لقد اتاحت الثورات تغييرا”في واقع الشباب العربي. كانت الفكرة السائدة عن هؤلاء الشباب انهم غير مكترثين بما يجري حولهم. وان العولمة الالكترونية قد اخذتهم بعيدا” في التواصل الافتراضي حتى نسوا ما حولهم. لقد تبين ان الأمر لم يكن صحيحا”،أو مطلقا”. وان الدراسات الكثيرة التي حصلت حول هذا الموضوع كانت مقصرة. وان رغبة الشباب في هجرة بلدانهم لم تخنق انتماءهم الوطني وشعورهم بالقدرة على التغيير ومحاولة ذلك بالتقنيات الحديثة ..وهذا يعني ان الثقة التي استعادها الشباب بأنفسهم ستترك اثرا” لا يمكن تجاهله بعد اليوم في سياسات الدولة أو في سياسات الاحزاب عموما” والاحزاب والجمعيات الاسلامية خصوصا” ،بعدما قررت هذه الأخيرة الالتحاق بالعملية السياسية… وسيكون الشباب قوة رقابية مهمة على عمل الحكومات الجديدة . وقد يؤدي الأمر الى المواجهة بينهم وبين هذه الحكومات.وهذا يعني ايضا” ان الرأي العام في المجتمعات العربية سيستعيد تأثيره ودوره في المرحلة المقبلة.
-         تعتبر أي ثورة نفسها نموذجا” مختلفا” عن نموذج النظام السابق الذي اطاحت به. وهي تحاول ان تقدم نفسها من خلال هذ النموذج الجديد ايديولوجيا” او سياسيا” او اقتصاديا” او ثقافيا”…هكذا كان الأمر منذ الثورة الفرنسية، الى الثورة البلشفية في روسيا،وصولا” الى الثورة الاسلامية في ايران.وقد تحتاج الثورات الى عشرات السنين لتقديم هذا النموذج وقد تنجح في ذلك او قد تفشل لاسباب كثيرة…لكنها تطرح هذا النموذج وتعلن التزامها به.أما الثورا ت العربية فلم تطرح لغاية اليوم نموذجها المفترض.لا ايديولوجيا” ولا سياسيا” ولا اقتصاديا”.وربما يفسر هذا الأمر الى حد كبير سمة الاضطراب التي تسود مجتمعات ما بعد الثورات.لكن في الوقت نفسه ان غياب هذا النموذج في ظل المشاهد الثلاثة التي اشرنا اليها ،يعني ان التغيير العميق الثقافي والاجتماعي والتعليمي والاقتصادي الذي يعكس طبيعة أي ثورة قد لايكون قريبا” في المجتمعات العربية.


طلال عتريسي/ استاذ علم الاجتماع/الجامعة اللبنانية
مجلة شؤون عربية/ابريل 2012   
…………………………………………………………………………….
هوامش
1-    شفيق ناظم الغبرا”الانتقال العربي من الديكتاتورية الى الحرية”،موقع منبر الحرية 22/فبراير 2012
2-    راجع “المجتمع المدني والثورات العربية”،مؤتمر بيروت من11الى 13 مارس 2012
3-    جوناثان براون “السلفيون والصوفيون في مصر” ،منشورات مركز كارنيجي للسلام العالمي، ديسمبر 2011
4-   جريدة الأخبار،بيروت،12/5/2012
5-    جريدة الأخبار ،بيروت،10/5/2012
6-    عمرو حمزاوي “ثورة الياسمين ،تونس الى اين،والتداعيات الاقليمية”،الشروق المصرية 32/12/2011  
7-    راجع بيان مجلس أمناء المؤتمر المصري للنهوض، حول المشهد المصري الراهن والمخرج منه   9/4/2012 مركز الحضارة  للدراسات السياسية،القاهرة.
8-    طه عبد العليم”الانفلات الأمني بعد ثورة 25 يناير”، الاهرام 2/4/2012
9-    .وكالة سانا، 24/4/2012
10جريدة عمان 3/4/2012
11- الاخبار 10/5/2012
12-  راجع مشروع قياس الرأي العام العربي،المؤشر العربي 2011 ،المركز العربي للأبحاث ودراسةالسياسات ،القسم الثالث ،حول الرأي العام والديمقراطية قطر 2012  
13-  “Les revolutions arabes et la reconquete de l’identite’” Monde Arabe,7Mars 2011
14-  راجع على سبيل المثال مقالات ملحق مجلة السياسة الدولية ،”تحولات استراتيجية” وعنوانه “الحقبة الاسلامية” اشكاليات تأسيس نموذج اسلامي في السياسة العربية”،عدد ابريل

Tuesday, 13 August 2013

يوم جديد بعد العيد


Monday, 12 August 2013

أرخبيلات فايسبوك وسط محيط من اللايكات

لدى إطلاقه عام 2004، كان فايسبوك شبكة تواصل بين طلاب جامعة «هارفرد» الأميركية، أسّسها مارك زوكربيرغ مع رفاقه، قبل أن يبلغ اليوم أكثر من مليار مستخدم حول العالم. صمد الموقع الأزرق في وجه التحدّيات مع ظهور شبكات مماثلة،
في دراسة أجرياها عام 2011، توصل الباحثان أشويني نادكارني، وستيفان هوفمان إلى خلاصة مفادها أنّ فايسبوك يؤمن حاجتين إنسانيتين هما «الحاجة إلى الانتماء، والحاجة إلى مثيل الذات». وهنا يكمن الاختلاف بين العالمين العربي والغربي. في المجتمعات الغربية، نرى طغياناً للثقافة الفردانية، إذ يُستخدم الموقع بغية تشارك الإنجازات والمشاريع المستقبلية مع الغير، في ظل ميل إلى طرح القضايا الخلافية ومناقشتها، بينما تسري في العالم العربي والآسيوي واللاتيني الثقافة الجماعية، حيث يهتم الفرد أكثر بمصالح وهموم الجماعة والقضايا الكبرى التي تطغى على معظم النقاشات.
بفضل قدراته المتنامية على الإبداع وتسهيل طريقة الاستعمال وتجاوبه مع رغبات المستخدمين، لكن مع الوقت، أفرز فايسبوك صناعة يمكن تسميتها «صناعة الوهم». مفهوم يتجلّى في جوانب اجتماعية وسياسية ونفسية يمتطيها كثيرون لخلق حيّز خاص بهم على صعيد التقويم الشخصي والموضوعي الذي فرضته التقنيات الفايسبوكية، وقد تبيّن لاحقاً أنّها غير مبنية على أسس واقعية ومنطقية.
يعود هذا السلوك برأي الباحث في الخصوصية الرقميّة حمزة حرقوص إلى تكوّن ثقافة لدى البعض «وخصوصاً الذين يتبعون الديانة الإسلامية» تتركز على أهمية «مصلحة الأمة» على حساب الأهداف الفردية. رغم هذا الإحساس بالانتماء ووضع همّ الجماعة على قائمة الأولويات، إلا أنّ الواقع يظهر انسلاخاً جوهرياً بين العالم الافتراضي والواقع، وخصوصاً مع تنامي شبكات التواصل الاجتماعي. فقد يتبيّن أنّ الناشطين على الصفحات الافتراضية ليسوا هم أنفسهم قادة التغيير الفعلي على الأرض، ولا حتى المتشدقين بحمل القضايا ودعمها. هكذا، يبدأ تكوّن الوهم لدى هؤلاء بظنّهم أنّهم أبطال يرسمون الواقع الافتراضي مع الالتفات إلى أنّ هذا التقويم ليس بالضرورة مبنياً على أساس محتوى متميز، لا بل سطحي أصبح معمّماً في هذه الأوساط. هذا الوهم ناشئ بحسب حرقوص من قدرة هؤلاء على جذب الاهتمام نظراً إلى العدد الكبير من الأصدقاء الافتراضيين والحقيقيين على صفحاتهم.
جرت العادة على الشبكات الاجتماعية على تقويم الأشخاص على أساس مدى تغلغلهم فيها و«هذا ليس ناجعاً بالضرورة» يقول حرقوص لـ«الأخبار»، مستشهداً بيوتيوب، حيث يمكن البناء على عدد المعجبين بفيديو ما منشور عليه لتقويمه، لكن الأمر مختلف مع الموقع الأزرق بسبب تواصل المستخدمين في ما بينهم على أساس «مبدأ التكتلات». يلتقي عدد من الأصدقاء، ومعظمهم افتراضيون، سياسياً واجتماعياً، فتنمو التكتلات وتتكثف، لكن تبقى منغلقة إزاء غيرها وينحصر التواصل في ما بينها، وتبدأ بإغداق «اللايكات» على بعضها بعضاً ليس بناءً على تقويمها لنوعية المحتوى، بل من مبدأ المجاملة.
مع تصاعد الشعور بالوهم، يبدأ اللهاث وراء الصداقات واللايكات. لهذا نجد أي طامح إلى البروز يلجأ إلى هذه الشبكات، حيث ينتظره ناشطون آخرون لاهثون وراء توسيع لائحة متابعيهم ولو كانوا أشخاصاً وهميين. وتبقى الروابط هنا بعيدة عن المحتوى المقدّم الذي غالباً ما يكون سطحياً، لكن الأهم في هذه التكتلات هو عجزها عن التواصل مع غيرها بسبب ما تحتاج إليه هذه العملية من ثقة عالية بالنفس في المحاججة والمواجهة الجماعية كما يشرح الباحث. لذا، يصبح الانغلاق أمراً واقعاً، وخصوصاً مع استخدام لغة المعاداة وأبلسة الآخر لتقوية الذات، وبالتالي يصبح مبدأ التلاقي بين هذه الشبكات مستحيلاً.
أمام هذا الوضع المأزوم، يرى حرقوص أنّ الخروج من هذه المعضلة يكمن في إحداث تغيير في هذه التقنيات لتسري بالتالي التغييرات على صعيد المعايير السائدة أي عبر محاولة خلق نظام «سمعة إلكترونية» (e-reputation) أوتوماتيكي يقوّم من خلاله المحتوى على أساس موضوعي، إضافة إلى التركيز على أنّ عدد المعجبين ليس بأهمية هويّتهم وسمعتهم، عبر الدفع أكثر باتجاه التعبير عن جوهر المحتوى. مع ذلك، تحول صعوبات جمة دون تحقيق هذا الأمر، أهمها على الصعيد الربحي. لو حصلت هذه التعديلات، فسينخفض حجم الفئة المستهدفة مادياً بما أنّ الموقع يعمل دوماً على خلق سهولة في الاستخدام. طبعاً، هذا الانغلاق مرشح للبقاء مع الخضوع لرغبات المستخدمين في الحماية والخصوصية. وهنا، لا ننسى الضجة التي أثيرت عندما ألغى الموقع الأزرق الخصوصية ليعود ويعتذر مؤسسه من «الزبائن»، ويصبح اليوم أكثر انغلاقاً مع تعديل الإعدادات (settings) التي تتيح التحكم أكثر في هذه الخاصية.

Monday, 25 March 2013

الدولة والشعب